مشاركة مميزة

حديث ثمانين غاية من صحيح البخاري

بَاب مَا يُحْذَرُ مِنْ الْغَدْرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِن...

الأربعاء، 29 مارس 2017

الغرباء

145 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ جَمِيعًا عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ قَالَ ابْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنَ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ

شرح النووي على مسلم
[ ص: 333 ] باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا ( وأنه يأرز بين المسجدين )

فيه قوله - صلى الله عليه وسلم - بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها وفي الرواية الأخرى إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها

أما ألفاظ الباب ففيه أبو حازم عن أبي هريرة واسم أبي حازم هذا سلمان الأشجعي مولى عزة الأشجعية وتقدم أن اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر على الأصح من نحو ثلاثين قولا

وقوله - صلى الله عليه وسلم - بدأ الإسلام غريبا كذا ضبطناه بدأ بالهمز من الابتداء

و طوبى فعلى من الطيب قاله الفراء قال وإنما جاءت الواو لضمة الطاء قال وفيها لغتان تقول العرب طوباك و طوبى لك وأما معنى طوبى فاختلف المفسرون في معنى قوله تعالى طوبى لهم وحسن مآب فروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن معناه فرح وقرة عين وقال عكرمة نعم ما لهم وقال الضحاك غبطة لهم وقال قتادة حسنى لهم وعن قتادة أيضا معناه أصابوا خيرا وقال إبراهيم خير لهم وكرامة وقال ابن عجلان دوام الخير وقيل الجنة وقيل شجرة في الجنة وكل هذه الأقوال محتملة في الحديث والله أعلم

بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا

2629 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ وَفِي الْبَاب عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ الْأَعْمَشِ وَأَبُو الْأَحْوَصِ اسْمُهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ الْجُشَمِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ حَفْص

تحفة الأحوذي
[ ص: 318 ] قوله : ( إن الإسلام بدأ غريبا ) قال النووي في شرح مسلم : بدأ بالهمزة من الابتداء . قال القاضي عياض في قوله غريبا : روى ابن أبي أويس عن مالك -رحمه الله- تعالى أن معناه في المدينة وأن الإسلام بدأ بها غريبا وسيعود إليها : قال القاضي : وظاهر الحديث العموم وأن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة ، ثم انتشر فظهر ثم سيلحقه النقص والاختلال حتى لا يبقى إلا في آحاده وقلة أيضا كما بدأ ( فطوبى ) قال النووي : طوبى فعلى من الطيب قاله الفراء ، وقال : إنما جاءت الواو لضمة الطاء وأما معنى طوبى فاختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : ( طوبى لهم ) فروي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن معناه فرح وقرة عين . وقال عكرمة : نعم ما لهم - وقال الضحاك : غبطة لهم . وقال قتادة : حسنى لهم . وقال إبراهيم : خير لهم وكرامة .

وقال ابن عجلان : دوام الخير ، وقيل الجنة ، وقيل : شجرة في الجنة وكل هذه الأقوال محتملة في الحديث ، انتهى كلام النووي ( للغرباء ) أي المسلمين الذين في أوله وآخره لصبرهم على الأذى ، وقيل : المراد بالغرباء المهاجرون الذين هجروا إلى الله . قال القاري : والأظهر أنهم هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعده من سنته ، كما ورد مفسرا في حديث عمرو بن عوف يعني حديثه الآتي في هذا الباب . وقد صنف الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي في شرح هذا الحديث رسالة سماها " كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة " ، وقد طبعت بمصر وشاعت .

قوله : ( وفي الباب عن سعد وابن عمر وجابر وأنس وعبد الله بن عمرو ) أما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فأخرجه أحمد ، وأما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم ، وأما حديث جابر فأخرجه الطبراني ، وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجه وأما حديث عبد الله بن عمرو فلينظر من أخرجه .

[ ص: 319 ] قوله : ( هذا حديث حسن غريب صحيح من حديث ابن مسعود ) وأخرجه ابن ماجه .

قوله : ( وأبو الأحوص اسمه عوف بن مالك بن نضلة الجشمي ) بضم الجيم وفتح المعجمة الكوفي مشهور بكنيته ثقة من الثالثة ، قتل في ولاية الحجاج على العراق .

3987 حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ

بَاب بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا

3986 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ

حاشية السندي على ابن ماجه
قوله : ( بدا ) يحتمل أن يكون بلا همزة ، أي : ظهر ، أو بهمزة ، أي : ابتدأ ، والثاني هو الأشهر على الألسنة ، ويؤيده المقابلة بالعود فإن العود يقابل [ ص: 478 ] بالابتداء (غريبا ) أي : لقلة أهله وأصل الغريب البعيد من الوطن (وسيعود غريبا ) بقلة من يقوم به ويعين عليه ، وإن كان أهله كثيرا (للغرباء ) القائمين بأمره وطوبى فعلى من الطيب وتفسر بالجنة وبشجرة عظيمة فيها وفيه تنبيه على أن نصرة الإسلام والقيام بأمره يصير محتاجا إلى التغرب عن الأوطان والصبر على مشاق الغربة كما كان في أول الأمر . ٌ

بَاب الْمَشْيِ فِي النَّعْلِ بَيْنَ الْقُبُورِ

بَاب الْمَشْيِ فِي النَّعْلِ بَيْنَ الْقُبُورِ

3230 حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ السَّدُوسِيِّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ بَشِيرٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ زَحْمُ بْنُ مَعْبَدٍ فَهَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا اسْمُكَ قَالَ زَحْمٌ قَالَ بَلْ أَنْتَ بَشِيرٌ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أُمَاشِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلَاءِ خَيْرًا كَثِيرًا ثَلَاثًا ثُمَّ مَرَّ بِقُبُورِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَقَدْ أَدْرَكَ هَؤُلَاءِ خَيْرًا كَثِيرًا وَحَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظْرَةٌ فَإِذَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلَانِ فَقَالَ يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ وَيْحَكَ أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ فَنَظَرَ الرَّجُلُ فَلَمَّا عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَعَهُمَا فَرَمَى بِهِمَا
عون المعبود
( ابن سمير ) : بالتصغير ( ابن نهيك ) : بفتح النون وكسر الهاء ( عن بشير ) : هو ابن الخصاصية وهي أمه . قاله المنذري ( بينما أنا أماشي ) : أي أمشي معه هو من باب المفاعلة يقال : تماشيا تماشيا أي مشيا معا ( فقال ) صلى الله عليه وسلم : ( لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا ) : أي كانوا قبل الخير فحاد عنهم ذلك الخير وما أدركوه أو أنهم سبقوه حتى جعلوه وراء ظهورهم ( ثلاثا ) : أي قاله ثلاث مرات ( ثم حانت ) : أي قربت ووقعت ( يا صاحب السبتيتين إلخ ) : وهما نعلان لا شعر عليهما . قال الخطابي : قال الأصمعي : السبتية من النعال ما كان مدبوغا بالقرظ .

قلت : السبتيتين بكسر السين نسبة إلى السبت وهو جلود البقر المدبوغة بالقرظ يتخذ منها النعال لأنه سبت شعرها أي حلق وأزيل ، وقيل لأنها انسبت بالدباغ أي لانت ، وأريد بهما النعلان المتخذان من السبت ، وأمره بالخلع احتراما للمقابر عن المشي بينها بهما أو لقذر بهما أو لاختياله في مشيه . قيل : وفي الحديث كراهة المشي بالنعال بين القبور ، ولا يتم ذلك إلا على بعض الوجوه المذكورة قاله السندي .

وفي النيل : وفي ذلك دليل على أنه لا يجوز المشي بين القبور بالنعلين ولا يختص عدم الجواز بكون النعلين سبتيتين لعدم الفارق بينها وبين غيرها وقال ابن حزم : يجوز وطء القبور بالنعال التي ليست سبتية لحديث إن الميت يسمع خفق نعالهم وخص المنع بالسبتية وجعل هذا جمعا بين الحديثين .

وهو وهم لأن سماع الميت لخفق النعال لا يستلزم أن يكون المشي على قبر أو بين القبور فلا معارضة .

وقال الخطابي : إن النهي عن السبتية لما فيها من الخيلاء ، ورد بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسها انتهى .

قال العيني : إنما اعترض عليه بالخلع احتراما للمقابر ، وقيل لاختياله في مشيه وقال الطحاوي : إن أمره صلى الله عليه وسلم بالخلع لا لكون المشي بين القبور بالنعال مكروها ، ولكن لما رأى صلى الله عليه وسلم قذرا فيهما يقذر القبور أمر بالخلع انتهى .

قال المنذري : والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه .

الخلاف في تطيين القبور

بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ تَجْصِيصِ الْقُبُورِ وَالْكِتَابَةِ عَلَيْهَا

1052 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا وَأَنْ تُوطَأَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرٍ وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي تَطْيِينِ الْقُبُورِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يُطَيَّنَ الْقَبْر

تحفة الأحوذي
قوله : ( نهى أن تجصص القبور ) بصيغة المجهول ، وفي رواية لمسلم : نهى عن تقصيص القبور بالقاف والصادين المهملتين ، وهو بمعنى التجصيص ، والقصة هي الجص ( وأن يكتب عليها ) بالبناء للمفعول ، قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي : يحتمل النهي عن الكتابة مطلقا ، ككتاب اسم صاحب القبر وتاريخ وفاته ، أو كتابة شيء من القرآن وأسماء الله تعالى ونحو ذلك للتبرك ، لاحتمال أن يوطأ ، أو يسقط على الأرض فيصير تحت الأرجل ، قال الحاكم بعد تخريج هذا الحديث في المستدرك : الإسناد صحيح ، وليس العمل عليه ، فإن أئمة المسلمين من الشرق والغرب يكتبون على قبورهم ، وهو شيء أخذه الخلف عن السلف وتعقبه الذهبي في مختصره بأنه محدث ولم يبلغهم النهي . انتهى ، قال الشوكاني في النيل : فيه تحريم الكتابة على القبور ، وظاهره عدم الفرق بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها ، وقد استثنت الهادوية رسم الاسم فجوزوه ، لا على وجه الزخرفة ، قياسا على وضعه صلى الله عليه وسلم الحجر على قبر عثمان كما تقدم ، وهو من التخصيص بالقياس ، وقد قال به الجمهور ، لا أنه قياس في مقابلة النص كما قال في ضوء النهار ، ولكن الشأن في صحة هذا القياس . انتهى ( وأن يبنى عليها ) فيه دليل على تحريم البناء على القبر ، وفصل الشافعي ، وأصحابه فقالوا : إن كان البناء في ملك الباني فمكروه ، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام ، قال الشوكاني ، ولا دليل على هذا التفصيل ، وقد قال الشافعي : رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى ، ويدل على الهدم حديث علي رضي الله عنه . انتهى .

قلت : الأمر كما قال الشوكاني وأراد بحديث علي رضي الله عنه حديثه الذي تقدم في باب تسوية القبر ( وأن توطأ ) أي : بالأرجل لما فيه من الاستخفاف قال في الأزهار : والوطء لحاجة كزيارة ودفن ميت لا يكره ، قال القاري في المرقاة : وفي وطئه للزيارة محل بحث . انتهى ، وفي رواية مسلم : وأن يقعد عليه ، قال الشوكاني فيه دليل على تحريم القعود على القبر ، وإليه ذهب الجمهور ، وقال مالك في الموطأ : المراد بالقعود الحدث ، وقال النووي : وهذا تأويل ضعيف ، أو باطل ، والصواب أن المراد بالقعود الجلوس ، ومما يوضحه الرواية الواردة بلفظ : لا تجلسوا على القبور . انتهى . قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) ، وأخرجه أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وفي لفظه : نهى أن يبنى على القبر ، أو يزاد عليه ، أو يجصص ، أو يكتب عليه .

قوله : ( وقد رخص بعض أهل العلم منهم الحسن البصري في تطيين القبور إلخ ) جاء في تطيين القبور روايتان :

الأولى : ما روى أبو بكر النجار من طريق جعفر بن محمد عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره من الأرض شبرا وطين بطين الأحمر من العرصة ذكرها الحافظ في التلخيص وسكت عنها .

والثانية - ما ذكر صاحب مسند الفردوس عن الحاكم أنه روى من طريق ابن مسعود مرفوعا لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطين قبره قال الحافظ في التلخيص ص 165 بعد ذكر هذه الرواية : إسناده باطل فإنه من رواية محمد بن القاسم الطايكاني ، وقد رموه بالوضع . انتهى ، واختلف الفقهاء الحنفية في تطيين القبور ، قال سراج أحمد السرهندي في شرح الترمذي ، وفي البرجندي : وينبغي أن لا يجصص القبر ، وأما تطيينه ففي الفتاوى المنصورية : لا بأس به خلافا لما يقوله الكرخي إنه مكروه ، وفي المضمرات المختار : أنه لا يكره . انتهى ، وقال في اللمعات في الخانية : تطيين القبور لا بأس به خلافا لما قاله الكرخي . انتهى ، وقال الشوكاني في النيل : وحكي في البحر عن الهادي والقاسم أنه لا بأس بالتطيين لئلا ينطمس ، وبه قال الإمام يحيى وأبو حنيفة . انتهى .
ُ

النَّهْيِ عَنْ تَجْصِيصِ الْقَبْرِ وَالْبِنَاءِ عَلَيه

بَاب النَّهْيِ عَنْ تَجْصِيصِ الْقَبْرِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ

970 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ جَمِيعًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْل

شرح النووي على مسلم
قوله : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يقعد عليه ) .

وفي الرواية الأخرى : ( نهى عن تقصيص القبور ) . التقصيص - بالقاف وصادين - هو التجصيص . والقصة - بفتح القاف وتشديد الصاد - هي الجص ، وفي هذا الحديث كراهة تجصيص القبر والبناء عليه وتحريم القعود ، والمراد بالقعود الجلوس عليه . هذا مذهب الشافعي وجمهور العلماء ، وقال مالك في الموطأ : المراد بالقعود الجلوس ، ومما يوضحه الرواية المذكورة بعد هذا : ( لا تجلسوا على القبور ) . وفي الرواية الأخرى : ( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر ) قال أصحابنا : تجصيص القبر مكروه ، والقعود عليه حرام ، وكذا الاستناد إليه والاتكاء عليه .

وأما البناء عليه فإن كان في ملك الباني فمكروه ، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام . نص عليه الشافعي [ ص: 33 ] والأصحاب . قال الشافعي في الأم : ورأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى ، ويؤيد الهدم قوله : ( ولا قبرا مشرفا إلا سويته ) .

قوله : ( عن بسر بن عبيد الله ) هو بضم الباء وبالسين المهملة .

[ ص: 34 ] قوله : ( عن أبي مرثد ) هو بالمثلثة واسمه كناز بفتح الكاف وتشديد النون ، وآخره زاي .

قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ) فيه تصريح بالنهي عن الصلاة إلى قبر . قال الشافعي - رحمه الله - : وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس .
ِ

بَاب فِي تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ

بَاب فِي تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ

3218 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي هَيَّاجٍ الْأَسَدِيِّ قَالَ بَعَثَنِي عَلِيٌّ قَالَ لِي أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتُهُ وَلَا تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتُهُ

عون المعبود
[ ص: 28 ] " 4040 " ( عن أبي هياج الأسدي ) : هو بفتح الهاء وتشديد الياء واسمه : حيان بن حصين قاله النووي ( على ما بعثني عليه ) : أي أرسلني إلى تغييره ، ولذا عدي بعلى ، أو أرسلك للأمر الذي أرسلني له ( أن لا أدع ) : " أن " مصدرية و " لا " نافية خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو أن لا أدع ، وقيل " أن " تفسيرية و " لا " ناهية أي لا أدع ( قبرا مشرفا ) : هو الذي بني عليه حتى ارتفع دون الذي أعلم عليه بالرمل والحصباء أو محسومة بالحجارة ليعرف ولا يوطأ . قاله القاري ( إلا سويته ) : قال النووي : فيه أن السنة أن القبر لا يرفع على الأرض رفعا كثيرا ولا يسنم بل يرفع نحو شبر ويسطح ، وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه . ونقل القاضي عياض [ ص: 29 ] عن أكثر العلماء أن الأفضل عندهم تسنيمها وهو مذهب مالك انتهى .

قلت : وقوله لا يسنم فيه نظر . وفي النيل : والحديث فيه دلالة على أن السنة أن القبر لا يرفع رفعا كثيرا من غير فرق بين من كان فاضلا ومن كان غير فاضل ، والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم ، وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك .

والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير لا يصح وهو من اتخاذ القبور مساجد ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك ، وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام ، منها : اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج ، وملجأ لنجاح المطالب ، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم ، وشدوا إليها الرحال ، وتمسحوا بها واستغاثوا ، وبالجملة إنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف ، لا عالما ولا متعلما ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا ، وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا شك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا ، فإذا قيل له بعد ذلك احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق ، وهذا من بين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة . فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر ، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة ، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا .
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي     ولو نارا نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد [ ص: 30 ] انتهى وكلامه هذا حسن جدا لا مزية على حسنه جزاه الله خيرا .

وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد " قدوم وفود العرب " : وهذا حال المشاهد المبنية على القبور التي تعبد من دون الله ويشرك بأربابها مع الله لا يحل إبقاؤها في الإسلام ويجب هدمها ، ولا يصح وقفها ولا الوقف عليها ، وللإمام أن يقطعها وأوقافها لجند الإسلام ويستعين بها على مصالح المسلمين وكذلك ما فيها من الآلات والمتاع والنذور التي تساق إليها يضاهى بها الهدايا التي تساق إلى البيت ؛ للإمام أخذها كلها وصرفها في مصالح المسلمين كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أموال بيوت هذه الطواغيت وصرفها في مصالح الإسلام ، وكان يفعل عندها ما يفعل عند هذه المشاهد سواء من النذور لها والتبرك بها وتقبيلها واستلامها ، هذا كان شرك القوم بها ولم يكونوا يعتقدون أنها خلقت السموات والأرض ، بل كان شركهم بها كشرك أهل الشرك من أرباب المشاهد بعينه انتهى . ( ولا تمثالا ) : أي صورة ذي روح ( إلا طمسته ) : أي محوته وأبطلته . فيه الأمر بتغيير صور ذوات الأرواح .

قال المنذري : والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي .

ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور

بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ وَلَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ضَرَبَتْ امْرَأَتُهُ الْقُبَّةَ عَلَى قَبْرِهِ سَنَةً ثُمَّ رُفِعَتْ فَسَمِعُوا صَائِحًا يَقُولُ أَلَا هَلْ وَجَدُوا مَا فَقَدُوا فَأَجَابَهُ الْآخَرُ بَلْ يَئِسُوا فَانْقَلَبُوا

1265 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ هِلَالٍ هُوَ الْوَزَّانُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا قَالَتْ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَبْرَزُوا قَبْرَهُ غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا

قوله : ( ولما مات الحسن بن الحسن ) هو ممن وافق اسمه اسم أبيه ، وكانت وفاته سنة سبع وتسعين ، وهو من ثقات التابعين ، وروى له النسائي ، وله ولد يسمى الحسن أيضا ، فهم ثلاثة في نسق ، واسم امرأته المذكورة فاطمة بنت الحسين وهي ابنة عمه .

قوله : ( القبة ) أي الخيمة ، فقد جاء في موضع آخر بلفظ الفسطاط ، كما رويناه في الجزء السادس عشر من حديث الحسين بن إسماعيل بن عبد الله المحاملي رواية الأصبهانيين عنه ، وفي كتاب ابن أبي الدنيا في القبور من طريق المغيرة بن مقسم قال : " لما مات الحسن بن الحسن ضربت امرأته على قبره فسطاطا ، فأقامت عليه سنة " . فذكر نحوه . ومناسبة هذا الأثر لحديث الباب أن المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة هناك ، فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر ، وقد يكون القبر في جهة القبلة ، فتزداد الكراهة . وقال ابن المنير : إنما ضربت الخيمة هناك للاستمتاع بالميت بالقرب منه تعليلا للنفس ، وتخييلا باستصحاب المألوف من الأنس ، ومكابرة للحس ، كما يتعلل بالوقوف على الأطلال البالية ، ومخاطبة المنازل الخالية ، فجاءتهم الموعظة على لسان الهاتفين بتقبيح ما صنعوا ، وكأنهما من الملائكة ، أو من مؤمني الجن . وإنما ذكره البخاري لموافقته للأدلة الشرعية ، لا لأنه دليل برأسه .

قوله : ( عن شيبان ) هو ابن عبد الرحمن النحوي ، وهلال الوزان هو ابن أبي حميد على المشهور ، وكذا وقع منسوبا عند ابن أبي شيبة ، والإسماعيلي وغيرهما . وقال البخاري في تاريخه : قال وكيع : هلال بن حميد ، وقال مرة : هلال بن عبد الله ، ولا يصح .

قوله : ( مسجدا ) في رواية الكشميهني مساجد .

قوله : ( لأبرز قبره ) أي لكشف قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يتخذ عليه الحائل ، والمراد الدفن خارج بيته ، وهذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد النبوي ، ولهذا لما وسع المسجد جعلت حجرتها مثلثة الشكل محددة ، حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر مع استقبال القبلة .

قوله : ( غير أني أخشى ) كذا هنا ، وفي رواية أبي عوانة عن هلال الآتية في أواخر الجنائز : " غير أنه خشي أو خشي " . على الشك : هل هو بفتح الخاء المعجمة ، أو ضمها ، وفي رواية مسلم : " غير أنه خشي " . بالضم لا غير ، فرواية الباب تقتضي أنها هي التي امتنعت من إبرازه ، ورواية الضم مبهمة ، يمكن أن تفسر بهذه ، والهاء ضمير الشأن ، وكأنها أرادت نفسها ومن وافقها على ذلك ، وذلك يقتضي أنهم فعلوه باجتهاد ، بخلاف رواية الفتح ، فإنها تقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرهم بذلك ، وقد تقدم الكلام على بقية فوائد المتن في أبواب المساجد في " باب هل تنبش قبور المشركين " . قال الكرماني : مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجدا ، ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر ، ومفهومهما متغاير ، ويجاب بأنهما متلازمان ، وإن تغاير المفهوم .