مشاركة مميزة

حديث ثمانين غاية من صحيح البخاري

بَاب مَا يُحْذَرُ مِنْ الْغَدْرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِن...

الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

فضل الشهيد في سبيل الله

3011 حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود أنه سئل عن قوله ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) فقال أما إنا قد سألنا عن ذلك فأخبرنا أن أرواحهم في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش فاطلع إليهم ربك اطلاعة فقال هل تستزيدون شيئا فأزيدكم قالوا ربنا وما نستزيد ونحن في الجنة نسرح حيث شئنا ثم اطلع إليهم الثانية فقال هل تستزيدون شيئا فأزيدكم فلما رأوا أنهم لم يتركوا قالوا تعيد أرواحنا في أجسادنا حتى نرجع إلى الدنيا فنقتل في سبيلك مرة أخرى قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي عبيدة عن ابن مسعود مثله وزاد فيه وتقرئ نبينا السلام وتخبره عنا أنا قد رضينا ورضي عنا قال أبو عيسى هذا حديث حسن .
رواه الترمذي

تحفة الأحوذي

قوله : ( عن عبد الله بن مرة ) هو الهمداني .

قوله : ( فقال ) أي ابن مسعود ( أما ) بالتخفيف للتنبيه ( إنا قد سألنا ) أي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( عن ذلك ) أي عن معنى هذه الآية ( فأخبرنا ) وفي رواية مسلم فقال . قال النووي : هذا الحديث مرفوع لقوله إنا قد سألنا عن ذلك فقال يعني النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال القاضي : المسئول والمجيب هو الرسول صلوات الله عليه وسلامه وفي " فقال " ضمير " له " ويدل عليه قرينة الحال فإن ظاهر حال الصحابي أن يكون سؤاله واستكشافه من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا سيما في تأويل آية هي من المتشابهات وما هو من أحوال المعاد فإنه غيب صرف لا يمكن معرفته إلا بالوحي ولكونه بهذه المثابة من التعين أضمر من غير أن يسبق ذكره ( أن أرواحهم في طير خضر ) وفي رواية مسلم " في جوف طير خضر " أي يخلق  لأرواحهم بعد ما فارقت أبدانهم هياكل على تلك الهيئة تتعلق بها وتكون خلفا عن أبدانهم وإليه الإشارة بقوله تعالى : أحياء عند ربهم فيتوسلون بها إلى نيل ما يشتهون من اللذائذ الحسية ، وإليه يرشد قوله تعالى : يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله والطير جمع طائر ويطلق على الواحد ، وخضر بضم فسكون جمع أخضر ( تسرح ) أي ترعى ( وتأوي ) أي ترجع ( إلى قناديل معلقة بالعرش ) فهي بمنزلة أوكار الطير ( فاطلع ) بتشديد الطاء أي نظر ( اطلاعة ) إنما قال اطلاعة ليدل على أنه ليس من جنس اطلاعنا على الأشياء . قال القاضي : وعداه بإلى وحقه أن يعدى بعلى لتضمنه معنى الانتهاء ( فقال ) أي الرب تعالى ( وما نستزيد ) أي أي شيء نستزيد ( ونحن في الجنة نسرح حيث شئنا ) يعني وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ( فلما رأوا أنهم لا يتركون ) أي من أن يسألوا ( قالوا تعيد ) من الإعادة أي ترد ( فنقتل ) بصيغة المجهول في سبيلك مرة أخرى زاد مسلم : فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا أي من سؤال هل تستزيدون .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه .

قوله : ( عن أبي عبيدة ) هو ابن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته ( وزاد ) أي أبو عبيدة في روايته ( وتقرئ ) أي يا رب ( نبينا ) بالنصب أي عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( السلام ) مفعول ثان لتقرئ ( وتخبره ) أي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( أن قد رضينا ) أي بالله تعالى ( ورضي عنا ) بصيغة المجهول أي رضي الله تعالى عنا .

قوله : ( هذا حديث حسن ) قد صرح الترمذي بعدم سماع أبي عبيدة من أبيه عبد الله بن مسعود في باب الاستنجاء بالحجرين فتحسينه لهذا الحديث لمجيئه من السند المتقدم .

ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون

باب فضل قول الله تعالى ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين )

2659 حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين غداة على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله قال أنس أنزل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآن قرأناه ثم نسخ بعد بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه

فتح الباري شرح صحيح البخاري
[ ص: 38 ] قوله : ( باب فضل قول الله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون - إلى قوله - وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين كذا لأبي ذر ، وساق الأصيلي وكريمة الآيتين ، ومعنى قوله : فضل قول الله " أي فضل من ورد فيه قول الله ، وقد حذف الإسماعيلي لفظ فضل من الترجمة .

ثم ذكر فيه حديثين : حديث أنس في قصة الذين قتلوا في بئر معونة أوردها مختصرة ، وستأتي بتمامها في المغازي ، وأشار بإيراد الآية إلى ما ورد في بعض طرقه كما سأذكره هناك في آخره عند قوله : فأنزل فيهم بلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه " زاد عمر بن يونس عن إسحاق بن أبي طلحة فيه فنسخ بعدما قرأناه زمانا وأنزل الله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله الآية .

بل أحياء عند ربهم يرزقون

باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون

1887 حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة كلاهما عن أبي معاوية ح وحدثنا إسحق بن إبراهيم أخبرنا جرير وعيسى بن يونس جميعا عن الأعمش ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير واللفظ له حدثنا أسباط وأبو معاوية قالا حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال سألنا عبد الله عن هذه الآية ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) قال أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال هل تشتهون شيئا قالوا أي شيء [ص: 1503] نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة ترك

شرح النووي على مسلم
[ ص: 29 ] قوله : ( حدثني يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة - وذكر إسناده إلى مسروق - قال : سألنا عبد الله عن هذه الآية : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون قال : أما إنا قد سألنا عن ذلك ، فقال : أرواحهم في جوف طير خضر ) قال المازري : كذا جاء عبد الله غير منسوب ، قال أبو علي الغساني : ومن الناس من ينسبه فيقول : عبد الله بن عمر ، وذكره أبو مسعود الدمشقي في مسند ابن مسعود ، قال القاضي عياض : ووقع في بعض النسخ من صحيح مسلم ( عبد الله بن مسعود ) قلت : وكذا وقع في بعض نسخ بلادنا المعتمدة ، ولكن لم يقع منسوبا في معظمها ، وذكره خلف الواسطي والحميدي وغيرهما في مسند ابن مسعود ، وهو الصواب . وهذا الحديث مرفوع لقوله : إنا قد سألنا عن ذلك فقال : يعني النبي صلى الله عليه وسلم .

قوله صلى الله عليه وسلم في الشهداء : ( أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل ) فيه : بيان أن الجنة مخلوقة موجودة ، وهو مذهب أهل السنة ، وهي التي أهبط منها آدم ، وهي التي ينعم فيها المؤمنون في الآخرة . هذا إجماع أهل السنة ، وقالت المعتزلة وطائفة من المبتدعة أيضا وغيرهم : إنها ليست موجودة ، وإنما توجد بعد البعث في القيامة ، قالوا : والجنة التي أخرج منها آدم غيرها ، وظواهر القرآن والسنة تدل لمذهب أهل الحق . وفيه إثبات مجازاة الأموات بالثواب والعقاب قبل القيامة ، قال القاضي : وفيه أن الأرواح باقية لا تفنى ، فينعم المحسن ويعذب المسيء ، وقد جاء به القرآن والآثار ، وهو مذهب أهل السنة خلافا لطائفة من المبتدعة قالت : تفنى ، قال القاضي : وقال هنا : ( أرواح الشهداء ) ، وقال في حديث مالك : ( إنما نسمة المؤمن ) ، والنسمة تطلق على ذات الإنسان جسما وروحا ، وتطلق على الروح مفردة ، وهو المراد بهذا التفسير في الحديث الآخر بالروح ، ولعلمنا بأن الجسم يفنى ويأكله التراب ، ولقوله في الحديث : ( حتى يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم القيامة ) قال القاضي : وذكر في حديث مالك رحمه الله تعالى : ( نسمة المؤمن ) وقال هنا : ( الشهداء ) لأن هذه صفتهم لقوله تعالى : أحياء عند ربهم يرزقون وكما فسره في هذا الحديث . وأما غيرهم فإنما يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، كما جاء في حديث ابن عمر ، وكما قال في آل فرعون : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا قال القاضي : وقيل : بل المراد جميع المؤمنين [ ص: 30 ] الذين يدخلون الجنة بغير عذاب فيدخلونها الآن ، بدليل عموم الحديث ، وقيل : بل أرواح المؤمنين على أفنية قبورهم . والله أعلم .

قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : ( في جوف طير خضر ) وفي غير مسلم ( بطير خضر ) وفي حديث آخر : ( بحواصل طير ) وفي الموطأ : ( إنما نسمة المؤمن طير ) وفي حديث آخر عن قتادة : ( في صورة طير أبيض ) قال القاضي : قال بعض المتكلمين على هذا : الأشبه صحة قول من قال : طير ، أو صورة طير ، وهو أكثر ما جاءت به الرواية لا سيما مع قوله : ( تأوي إلى قناديل تحت العرش ) . قال القاضي : واستبعد بعضهم هذا ، ولم ينكره آخرون ، وليس فيه ما ينكر ، ولا فرق بين الأمرين ، بل رواية طير ، أو جوف طير ، أصح معنى ، وليس للأقيسة والعقول في هذا حكم ، وكله من المجوزات ، فإذا أراد الله أن يجعل هذه الروح إذا خرجت من المؤمن أو الشهيد في قناديل ، أو أجواف طير ، أو حيث يشاء كان ذلك ووقع ، ولم يبعد ، لا سيما مع القول بأن الأرواح أجسام ، قال القاضي : وقيل : إن هذا المنعم أو المعذب من الأرواح جزء من الجسد تبقى فيه الروح ، وهو الذي يتألم ويعذب ويلتذ وينعم ، وهو الذي يقول : رب ارجعون وهو الذي يسرح في شجر الجنة ، فغير مستحيل أن يصور هذا الجزء طائرا أو يجعل في جوف طائر ، وفي قناديل تحت العرش ، وغير ذلك مما يريد الله عز وجل .

قال القاضي : وقد اختلف الناس في الروح - ما هي ؟ اختلافا لا يكاد يحصر ، فقال كثير من أرباب المعاني وعلم الباطن المتكلمين : لا تعرف حقيقته ، ولا يصح وصفه ، وهو مما جهل العباد علمه ، واستدلوا بقوله تعالى : قل الروح من أمر ربي وغلت الفلاسفة فقالت بعدم الروح ، وقال جمهور الأطباء : هو البخار اللطيف الساري في البدن ، وقال كثيرون من شيوخنا : هو الحياة ، وقال آخرون : هي أجسام لطيفة مشابكة للجسم يحيى لحياته ، أجرى الله تعالى العادة بموت الجسم عند فراقه ، وقيل : هو بعض الجسم ، ولهذا وصف بالخروج والقبض وبلوغ الحلقوم ، وهذه صفة الأجسام لا المعاني ، وقال بعض مقدمي أئمتنا : هو جسم لطيف متصور على صورة الإنسان داخل الجسم ، وقال بعض مشايخنا وغيرهم : إنه النفس الداخل والخارج ، وقال آخرون : هو الدم ، هذا ما نقله القاضي ، والأصح عند أصحابنا : أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن ، فإذا فارقته مات . قال القاضي : واختلفوا في النفس والروح فقيل : هما بمعنى ، وهما لفظان لمسمى واحد . وقيل : إن النفس هي النفس الداخل والخارج ، وقيل : هي الدم ، وقيل : هي الحياة . والله أعلم .

قال القاضي : وقد تعلق بحديثنا هذا وشبهه بعض الملاحدة القائلين بالتناسخ وانتقال الأرواح وتنعيمها في الصور الحسان المرفهة وتعذيبها في الصور القبيحة المسخرة ، وزعموا أن هذا هو الثواب والعقاب ، وهذا ضلال بين ، وإبطال لما جاءت به الشرائع من الحشر والنشر ، والجنة والنار ، ولهذا قال [ ص: 31 ] في الحديث : ( حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه ) يعني : يوم يجيء بجميع الخلق . والله أعلم .

قوله صلى الله عليه وسلم : ( فقال لهم الله تعالى : هل تشتهون شيئا . . . ) إلخ ، هذا مبالغة في إكرامهم وتنعيمهم إذ قد أعطاهم الله ما لا يخطر على قلب بشر ، ثم رغبهم في سؤال الزيادة ، فلم يجدوا مزيدا على ما أعطاهم ، فسألوه - حين رأوا أنه لا بد من سؤال - أن يرجع أرواحهم إلى أجسادهم ليجاهدوا ، أو يبذلوا أنفسهم في سبيل الله تعالى ، ويستلذوا بالقتل في سبيل الله . والله أعلم .

( وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ ) البقرة (154)

( وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ ) البقرة (154)

وقوله تعالى : ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ) يخبر تعالى أن الشهداء في برزخهم أحياء يرزقون ، كما جاء في صحيح مسلم : " إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش ، فاطلع عليهم ربك اطلاعة ، فقال : ماذا تبغون ؟ فقالوا : يا ربنا ، وأي شيء نبغي ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ ثم عاد إليهم بمثل هذا ، فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا ، قالوا : نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا ، فنقاتل في سبيلك ، حتى نقتل فيك مرة أخرى ; لما يرون من ثواب الشهادة فيقول الرب جل جلاله : إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون " . وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، عن الإمام الشافعي ، عن الإمام مالك ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نسمة المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة ، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " . ففيه دلالة لعموم المؤمنين أيضا ، وإن كان الشهداء قد خصصوا بالذكر في القرآن ، تشريفا لهم وتكريما وتعظيما .

الاعراب

( وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ ) البقرة (154) «وَلا تَقُولُوا» الواو عاطفة لا ناهية جازمة تقولوا فعل مضارع مجزوم بحذف النون والواو فاعل. «لِمَنْ» من اسم موصول في محل جر والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما والجملة معطوفة على ما قبلها. «يُقْتَلُ» فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر. «فِي سَبِيلِ» متعلقان بالفعل قبلهما والجملة صلة الموصول لا محل لها. «أَمْواتٌ» خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هم أموات والجملة مقول القول. «بَلْ» حرف إضراب وعطف. «أَحْياءٌ» خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هم أحياء والجملة معطوفة. «وَلكِنْ» الواو حرف عطف لكن حرف استدراك. «لا تَشْعُرُونَ» لا نافية تشعرون فعل مضارع والواو فاعل والجملة معطوفة على ما قبلها.

يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ

( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر (9)

ثم قال تعالى مادحا للأنصار ، ومبينا فضلهم ، وشرفهم ، وكرمهم ، وعدم حسدهم ، وإيثارهم مع الحاجة ، فقال : ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ) أي : سكنوا دار الهجرة من قبل المهاجرين وآمنوا قبل كثير منهم . قال عمر : وأوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ، ويحفظ لهم كرامتهم . وأوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل ، أن يقبل من محسنهم ، وأن يعفو عن مسيئهم . رواه البخاري ها هنا أيضا . وقوله : ( يحبون من هاجر إليهم ) أي : من كرمهم وشرف أنفسهم ، يحبون المهاجرين ويواسونهم بأموالهم . قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا حميد ، عن أنس ، قال : قال المهاجرون : يا رسول الله ، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ، ولا أحسن بذلا في كثير ، لقد كفونا المؤنة ، وأشركونا في المهنإ ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله ! قال : " لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم " . لم أره في الكتب من هذا الوجه . وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، سمع أنس بن مالك حين خرج معه إلى الوليد قال : دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنصار أن يقطع لهم البحرين ، قالوا : لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها . قال : " إما لا فاصبروا حتى تلقوني ، فإنه سيصيبكم بعدي أثرة " . تفرد به البخاري من هذا الوجه قال البخاري : حدثنا الحكم بن نافع ، أخبرنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قالت الأنصار : اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل . قال : لا . فقالوا : تكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة ؟ قالوا : سمعنا وأطعنا . تفرد به دون مسلم . ( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ) أي : ولا يجدون في أنفسهم حسدا للمهاجرين فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف ، والتقديم في الذكر والرتبة . قال : الحسن البصري : ( ولا يجدون في صدورهم حاجة ) يعني : الحسد . ( مما أوتوا ) قال قتادة : يعني فيما أعطى إخوانهم . وكذا قال ابن زيد . ومما يستدل به على هذا المعنى ما رواه الإمام أحمد حيث قال : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن أنس قال : كنا جلوسا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة " . فطلع رجل من الأنصار تنظف لحيته من وضوئه ، قد تعلق نعليه بيده الشمال ، فلما كان الغد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك ، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى . فلما كان اليوم الثالث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل مقالته أيضا ، فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى فلما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال : إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثا ، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت . قال : نعم . قال أنس : فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا ، غير أنه إذا تعار تقلب على فراشه ، ذكر الله وكبر ، حتى يقوم لصلاة الفجر . قال عبد الله : غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا ، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله ، قلت : يا عبد الله ، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ولكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لك ثلاث مرار : يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة " . فطلعت أنت الثلاث المرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به ، فلم أرك تعمل كثير عمل ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : ما هو إلا ما رأيت . فلما وليت دعاني فقال : ما هو إلا ما رأيت ، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه . قال عبد الله : هذه التي بلغت بك ، وهي التي لا تطاق . ورواه النسائي في اليوم والليلة ، عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، عن معمر به ، وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين ، لكن رواه عقيل ، وغيره ، عن الزهري ، عن رجل ، عن أنس . فالله أعلم . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ) يعني ( مما أوتوا ) المهاجرون . قال : وتكلم في أموال بني النضير بعض من تكلم من الأنصار ، فعاتبهم الله في ذلك ، فقال : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ) قال : وقال رسول الله : " إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم " . فقالوا : أموالنا بيننا قطائع . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أو غير ذلك ؟ " . قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : " هم قوم لا يعرفون العمل ، فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر " . فقالوا : نعم يا رسول الله وقوله : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) يعني : حاجة ، أي : يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم ، ويبدءون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك . وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أفضل الصدقة جهد المقل " . وهذا المقام أعلى من حال الذين وصف الله بقوله : ( ويطعمون الطعام على حبه ) [ الإنسان : 8 ] . وقوله : ( وآتى المال على حبه ) [ البقرة : 177 ] . فإن هؤلاء يتصدقون وهم يحبون ما تصدقوا به ، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به ، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه . ومن هذا المقام تصدق الصديق رضي الله عنه ، بجميع ماله ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما أبقيت لأهلك ؟ " . فقال : أبقيت لهم الله ورسوله . وهذا الماء الذي عرض على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك ، فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه ، وهو جريح مثقل أحوج ما يكون إلى الماء ، فرده الآخر إلى الثالث ، فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم ولم يشربه أحد منهم ، رضي الله عنهم وأرضاهم . وقال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا فضيل بن غزوان ، حدثنا أبو حازم الأشجعي ، عن أبي هريرة قال : أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، أصابني الجهد ، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ألا رجل يضيف هذا الليلة ، رحمه الله ؟ " . فقام رجل من الأنصار فقال : أنا يا رسول الله . فذهب إلى أهله فقال لامرأته : ضيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تدخريه شيئا . فقالت : والله ما عندي إلا قوت الصبية . قال : فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة . ففعلت ، ثم غدا الرجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " لقد عجب الله - عز وجل - أو : ضحك من فلان وفلانة " . وأنزل الله عز وجل : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) . وكذا رواه البخاري في موضع آخر ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي من طرق ، عن فضيل بن غزوان به نحوه . وفي رواية لمسلم تسمية هذا الأنصاري بأبي طلحة ، رضي الله عنه . وقوله : ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) أي : من سلم من الشح فقد أفلح وأنجح . قال أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا داود بن قيس الفراء ، عن عبيد الله بن مقسم ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إياكم والظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح ، فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم " . انفرد بإخراجه مسلم فرواه عن القعنبي ، عن داود بن قيس به . . وقال الأعمش ، وشعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث ، عن زهير بن الأقمر ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اتقوا الظلم ; فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الفحش ، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش ، وإياكم والشح ; فإنه أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالظلم فظلموا ، وأمرهم بالفجور ففجروا ، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا " . ورواه أحمد ، وأبو داود من طريق شعبة ، والنسائي من طريق الأعمش كلاهما عن عمرو بن مرة به . وقال الليث عن يزيد بن الهاد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن صفوان بن أبي يزيد ، عن القعقاع بن اللجلاج ، عن أبي هريرة ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا ، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا " . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبدة بن سليمان ، أخبرنا ابن المبارك ، حدثنا المسعودي ، عن جامع بن شداد ، عن الأسود بن هلال قال : جاء رجل إلى عبد الله فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إني أخاف أن أكون قد هلكت فقال له عبد الله : وما ذاك ؟ قال : سمعت الله يقول : ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) وأنا رجل شحيح ، لا أكاد أن أخرج من يدي شيئا ! فقال عبد الله : ليس ذلك بالشح الذي ذكر الله في القرآن ، إنما الشح الذي ذكر الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلما ، ولكن ذلك البخل ، وبئس الشيء البخل " وقال سفيان الثوري ، عن طارق بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي الهياج الأسدي قال : كنت أطوف بالبيت ، فرأيت رجلا يقول : اللهم قني شح نفسي " . لا يزيد على ذلك ، فقلت له ، فقال : إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل " ، وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنه ، رواه ابن جرير وقال ابن جرير : حدثني محمد بن إسحاق ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا مجمع بن جارية الأنصاري ، عن عمه يزيد بن جارية ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " بريء من الشح من أدى الزكاة ، وقرى الضيف ، وأعطى في النائبة " .

الاعراب

( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر (9) «وَالَّذِينَ» حرف عطف ومبتدأ «تَبَوَّؤُا الدَّارَ» ماض وفاعله ومفعوله والجملة صلة «وَالْإِيمانَ» مفعول به لفعل محذوف والجملة المقدرة معطوفة على تبؤوا «مِنْ قَبْلِهِمْ» متعلقان بمحذوف حال «يُحِبُّونَ» مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعله والجملة خبر الذين وجملة الذين .. معطوفة على ما قبلها ، «مِنْ» مفعول به «هاجَرَ» ماض وفاعله مستتر والجملة صلة «إِلَيْهِمْ» متعلقان بالفعل «وَلا يَجِدُونَ» لا نافية ومضارع مرفوع والواو فاعله والجملة معطوفة على ما قبلها «فِي صُدُورِهِمْ» متعلقان بالفعل «حاجَةً» مفعول به «مِمَّا» متعلقان بمحذوف صفة حاجة «أُوتُوا» ماض مبني للمجهول ونائب فاعل والجملة صلة ، «وَيُؤْثِرُونَ» مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة معطوفة على ما قبلها «عَلى أَنْفُسِهِمْ» متعلقان بالفعل والواو حالية «لَوْ» وصلية «كانَ» ماض ناقص «بِهِمْ» خبر مقدم «خَصاصَةٌ» اسم كان المؤخر والجملة حال. «وَمَنْ» شرطية مبتدأ «يُوقَ» مضارع مبني للمجهول مجزوم بحذف حرف العلة لأنه فعل الشرط ونائب الفاعل مستتر «شُحَّ نَفْسِهِ» مفعول به ثان مضاف إلى نفسه والجملة استئنافية لا محل لها. «فَأُولئِكَ» الفاء رابطة «أولئك» مبتدأ «هُمُ» ضمير فصل «الْمُفْلِحُونَ» خبر والجملة في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط والجواب خبر من.