مشاركة مميزة

حديث ثمانين غاية من صحيح البخاري

بَاب مَا يُحْذَرُ مِنْ الْغَدْرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِن...

الخميس، 27 أبريل 2017

َ اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ

بَاب مَنْ يُنْكَبُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

2647 حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرُ الْحَوْضِيُّ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَامًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ إِلَى بَنِي عَامِرٍ فِي سَبْعِينَ فَلَمَّا قَدِمُوا قَالَ لَهُمْ خَالِي أَتَقَدَّمُكُمْ فَإِنْ أَمَّنُونِي حَتَّى أُبَلِّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا كُنْتُمْ مِنِّي قَرِيبًا فَتَقَدَّمَ فَأَمَّنُوهُ فَبَيْنَمَا يُحَدِّثُهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَوْمَئُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَطَعَنَهُ فَأَنْفَذَهُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ثُمَّ مَالُوا عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ إِلَّا رَجُلًا أَعْرَجَ صَعِدَ الْجَبَلَ قَالَ هَمَّامٌ فَأُرَاهُ آخَرَ مَعَهُ فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ فَكُنَّا نَقْرَأُ أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ فَدَعَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ وَبَنِي عُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رواه البخاري

فتح الباري شرح صحيح البخاري
قوله : ( باب من ينكب ) بضم أوله وسكون النون وفتح الكاف بعدها موحدة ، والنكبة أن يصيب العضو شيء فيدميه ، والمراد بيان فضل من وقع له ذلك في سبيل الله . ثم ذكر فيه حديثين :

أحدهما حديث أنس في قصة قتل خاله وهو حرام بن ملحان ، وسيأتي شرحه في كتاب المغازي في غزوة بئر معونة ، وقوله فيه " عن إسحاق " هو ابن عبد الله بن أبي طلحة .

قوله : ( بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر ) قال الدمياطي : هو وهم ، فإن بني سليم مبعوث إليهم ، والمبعوث هم القراء وهم من الأنصار . قلت : التحقيق أن المبعوث إليهم بنو عامر ، وأما بنو سليم فغدروا بالقراء المذكورين ، والوهم في هذا السياق من حفص بن عمر شيخ البخاري ، فقد أخرجه هو في المغازي عن موسى بن إسماعيل عن همام فقال " بعث أخا لأم سليم في سبعين راكبا ، وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل " الحديث ، ويأتي شرحه مستوفى هناك ، فلعل الأصل " بعث أقواما معهم أخو أم سليم إلى بني عامر " فصارت من بني سليم ، وقد تكلف لتأويله بعض الشراح فقال : يحمل على أن أقواما منصوب بنزع الخافض أي بعث إلى أقوام من بني سليم منضمين إلى بني عامر وحذف مفعول بعث اكتفاء بصفة المفعول عنه ، أو " في " زائدة ويكون " سبعين " مفعول بعث ، ويحتمل أن تكون " من " ليست بيانية بل ابتدائية ، أي بعث أقواما ولم يصفهم من بني سليم أو من جهة بني سليم انتهى . وهذا أقرب من التوجيه الأول ولا يخفى ما فيهما من التكلف .

وقوله في آخر الحديث " على رعل " بكسر الراء وسكون المهملة بعدها لام هم بطن من بني سليم ، وكذا بعض من ذكر معهم ; وسيأتي الحديث في أواخر الجهاد أنه دعا على أحياء من بني سليم حيث قتلوا القراء ، وهو أصرح في المقصود .

3864 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَالَهُ أَخٌ لِأُمِّ سُلَيْمٍ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا وَكَانَ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ خَيَّرَ بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ فَقَالَ يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلِي أَهْلُ الْمَدَرِ أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ فَطُعِنَ عَامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلَانٍ فَقَالَ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلَانٍ ائْتُونِي بِفَرَسِي فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ وَهُوَ رَجُلٌ أَعْرَجُ وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ قَالَ كُونَا قَرِيبًا حَتَّى آتِيَهُمْ فَإِنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ وَإِنْ قَتَلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ فَقَالَ أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ وَأَوْمَئُوا إِلَى رَجُلٍ فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ قَالَ هَمَّامٌ أَحْسِبُهُ حَتَّى أَنْفَذَهُ بِالرُّمْحِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَلُحِقَ الرَّجُلُ  فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ الْأَعْرَجِ كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا ثُمَّ كَانَ مِنْ الْمَنْسُوخِ إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ وَعُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رواه البخاري

فتح الباري شرح صحيح البخاري
قوله في رواية إسحاق بن أبي طلحة ( عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خاله أخا أم سليم في سبعين راكبا ) قد سماه في هذه الرواية حراما ، وكذا في رواية ثمامة عن أنس التي بعدها ، والضمير في خاله لأنس ، وقد قال في الرواية الأخرى الآتية عن ثمامة عن أنس : " لما طعن حرام بن ملحان وكان خاله " وعجب تجويز الكرماني أن الضمير للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وحرام خاله من الرضاعة ويجوز أن يكون من جهة النسب ، كذا قاله .

قوله في رواية إسحاق ( وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل ) أي ابن مالك بن جعفر بن كلاب وهو ابن أخي أبي براء عامر بن مالك .

قوله : ( خير ) بفتح أوله وحذف المفعول أي خير النبي - صلى الله عليه وسلم - وبينه البيهقي في " الدلائل " من رواية عثمان بن سعيد عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه ولفظه " وكان أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له : أخيرك بين ثلاث خصال " فذكر الحديث . ووقع في بعض النسخ " خير " بضم أوله ، وخطأها ابن قرقول .

قوله : ( بألف وألف ) في رواية عثمان بن سعيد بألف أشقر وألف شقراء .

قوله : ( غدة كغدة البكر ) يجوز فيه الرفع بتقدير أصابتني غدة أو غدة بي ، ويجوز النصب على المصدر أي أغده غدة مثل بعيرة ، والغدة بضم المعجمة من أمراض الإبل وهو طاعونها .

قوله : ( في بيت امرأة من آل بني فلان ) بينها الطبراني من حديث سهل بن سعد فقال : " امرأة من آل سلول " وبين قدوم عامر بن الطفيل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه قال فيه : " لأغزونك بألف أشقر وألف شقراء " وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل أصحاب بئر معونة بعد أن رجع عامر ، وأنه غدر بهم وأخفر ذمة عمه أبي براء وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عليه فقال : " اللهم اكفني عامرا " فجاء إلى بيت امرأة من بني سلول . قلت : سلول امرأة ، وهي بنت ذهل بن شيبان ، وزوجها مرة بن صعصعة أخو عامر بن صعصعة فنسب بنوه إليها .

قوله : ( فانطلق حرام أخو أم سليم وهو رجل أعرج ) كذا هنا على أنها صفة حرام ، وليس كذلك بل الأعرج غيره ، وقد وقع في رواية عثمان بن سعيد " فانطلق حرام ورجلان معه أعرج من بني فلان " فالذي يظهر أن الواو في قوله " وهو " قدمت سهوا من الكاتب ، والصواب تأخيرها ، وصواب الكلام : فانطلق حرام هو ورجل أعرج ، فأما الأعرج فاسمه كعب بن زيد ، وهو من بني دينار بن النجار ، وأما الآخر فاسمه المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح الخزرجي سماهما ابن هشام في زيادات السيرة . ووقع في بعض النسخ " هو ورجل أعرج " وهو الصواب .

قوله : ( فإن آمنوني كنتم ) وقع هنا بطريق الاكتفاء ، ووقع في رواية عثمان بن سعيد المذكور " فإن آمنوني كنتم كذا " ولعل لفظة كذا من الراوي كأنه كتبها على قوله كنتم أي كذا وقع بطريق الاكتفاء ، ولأبي نعيم في " المستخرج " من طريق عبيد الله بن زيد المقري عن همام " فإن آمنوني كنتم قريبا مني " فهذه رواية مفسرة .

قوله : ( فجعل يحدثهم ) في رواية الطبري من طريق عكرمة عن عمار عن إسحاق بن أبي طلحة في هذه القصة " فخرج حرام فقال : يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم ، فآمنوا بالله ورسوله ، فخرج رجل من كسر البيت برمح فضربه في جنبه حتى خرج من الشق الآخر " .

قوله : ( فأومئوا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه ) لم أعرف اسم الرجل الذي طعنه ، ووقع في السيرة لابن إسحاق ما ظاهره أنه عامر بن الطفيل ، فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله ، لكن وقع في الطبراني من طريق ثابت عن أنس أن قاتل حرام بن ملحان أسلم ، وعامر بن الطفيل مات كافرا كما تقدم في هذا الباب وأما ما أخرجه المستغفري في " الصحابة " من طريق القاسم عن أبي أمامة عن عامر بن الطفيل أنه قال : يا رسول الله زودني بكلمات ، قال : يا عامر أفش السلام وأطعم الطعام ، واستحي من الله ، وإذا أسأت فأحسن الحديث فهو أسلمي ، ووهم المستغفري في كونه ساق في ترجمته نسب عامر بن الطفيل العامري ، وقد روى البغوي في ترجمة أبي براء عامر بن مالك العامري عن طريق عبد الله بن بريدة الأسلمي قال : " حدثني عمي عامر بن الطفيل " فذكر حديثا فعرف أن الصحابي أسلمي ، ووافق اسمه واسم أبيه العامري فكان ذلك سبب الوهم .

قوله : ( قال : الله أكبر ، فزت ورب الكعبة ، فلحق الرجل فقتلوا كلهم ) أشكل ضبط قوله : " فلحق الرجل " في هذا السياق فقيل : يحتمل أن يكون المراد بالرجل الذي كان رفيق حرام ، وفيه حذف تقديره فلحق الرجل بالمسلمين . ويحتمل أن يكون المراد به قاتل حرام ، والتقدير فطعن حراما فقال : فزت ورب الكعبة فلحق الرجل المشرك الطاعن بقومه المشركين فاجتمعوا على المسلمين فقتلوا كلهم . يحتمل أن يكون " فلحق " بضم اللام والرجل هو حرام أي لحقه أجله ، أو الرجل رفيقه بمعنى أنهم لم يمكنوه أن يرجع إلى المسلمين بل لحقه المشركون فقتلوه وقتلوا أصحابه ، ويحتمل أن يضبط الرجل بسكون الجيم وهو صيغة جمع والمعنى أن الذي طعن حراما لحق بقومه وهم الرجال الذين استنصر بهم عامر بن الطفيل . والرجل بسكون الجيم هم المسلمون القراء فقتلوا كلهم ، وهذا أوجه التوجيهات إن ثبتت الرواية بسكون الجيم . والله أعلم .

قوله : ( فقتلوا كلهم غير الأعرج كان في رأس جبل ) في رواية حفص بن عمر عن همام في كتاب الجهاد " فقتلوهم إلا رجلا أعرج صعد الجبل " قال همام : " وآخر معه " وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه " فقتلوا أصحابه غير الأعرج وكان في رأس الجبل " .

قوله : ( ثم كان من المنسوخ ) أي المنسوخ تلاوته فلم يبق له حكم حرمة القرآن كتحريمه على الجنب وغير ذلك .

الأربعاء، 26 أبريل 2017

إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ

بَاب دَرَجَاتِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُقَالُ هَذِهِ سَبِيلِي وَهَذَا سَبِيلِي قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ ( غُزًّا ) وَاحِدُهَا غَازٍ ( هُمْ دَرَجَاتٌ ) لَهُمْ دَرَجَاتٌ

2637 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُبَشِّرُ النَّاسَ قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَن.
رواه البخاري

فتح الباري شرح صحيح البخاري

قوله : ( باب درجات المجاهدين في سبيل الله ) أي بيانها ، وقوله " يقال هذه سبيلي " أي أن السبيل يذكر ويؤنث وبذلك جزم الفراء فقال في قوله تعالى ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا الضمير يعود على آيات القرآن وإن شئت جعلته للسبيل لأنها قد تؤنث قال الله تعالى قل هذه سبيلي وفي قراءة أبي بن [كعب ( وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوها سبيلا ) انتهى . ويحتمل أن يكون قوله تعالى ( هذه ) إشارة إلى الطريقة أي هذه الطريقة المذكورة هي سبيلي فلا يكون فيه دليل على تأنيث السبيل .

قوله : ( غزا ) بضم المعجمة وتشديد الزاي مع التنوين ( واحدها غاز ) وقع هذا في رواية المستملي وحده وهو من كلام أبي عبيدة قال : وهو مثل قول وقائل انتهى .

قوله : ( هم درجات : لهم درجات ) هو من كلام أبي عبيدة أيضا قال : قوله : ( هم درجات ) أي منازل ومعناه لهم درجات ، وقال غيره : التقدير هم ذوو درجات .

قوله : ( عن هلال بن علي ) في رواية محمد بن فليح عن أبيه " حدثني هلال " .

قوله : ( عن عطاء بن يسار ) كذا لأكثر الرواة عن فليح ، وقال أبو عامر العقدي " عن فليح عن هلال عن عبد الرحمن بن أبي عمرة " بدل عطاء بن يسار أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه ، وهو وهم من فليح في حال تحديثه لأبي عامر ، وعند فليح بهذا الإسناد حديث غير هذا سيأتي في الباب الذي بعد هذا ، فلعله انتقل ذهنه من حديث إلى حديث ، وقد نبهيونس بن محمد في روايته عن فليح على أنه كان ربما شك فيه ، فأخرج أحمد عن يونس عن فليح عن هلال عن عبد الرحمن بن أبي عمرة وعطاء بن يسار عن أبي هريرة فذكر هذا الحديث ، قال فليح : ولا أعلمه إلا ابن أبي عمرة ، قال يونس : ثم حدثنا به فليح فقال عطاء بن يسار ولم يشك انتهى . وكأنه رجع إلى الصواب فيه . ولم يقف ابن حبان على هذه العلة فأخرجه من طريق أبي عامر ، والله الهادي إلى الصواب .

وقد وافق فليحا على روايته إياه عن هلال عن عطاء عن أبي هريرة محمد بن جحادة عن عطاء أخرجه الترمذي من روايته مختصرا ، ورواه زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار فاختلف عليه : فقال هشام بن سعد وحفص بن ميسرة والدراوردي عنه عن عطاء عن معاذ بن جبل أخرجه الترمذي وابن ماجه ، وقال همام عن زيد عن عطاء عن عبادة بن الصامت أخرجه الترمذي والحاكم ورجح رواية الدراوردي ومن تابعه على رواية همام ، ولم يتعرض لرواية هلال مع أن بين عطاء بن يسار ، ومعاذ انقطاعا .

قوله : ( وصام رمضان إلخ ) قال ابن بطال لم يذكر الزكاة والحج لكونه لم يكن فرض . قلت : بل سقط ذكره على أحد الرواة ، فقد ثبت الحج في الترمذي في حديث معاذ بن جبل وقال فيه " لا أدري أذكر الزكاة أم لا " ، وأيضا فإن الحديث لم يذكر لبيان الأركان فكان الاقتصار على ما ذكر إن كان محفوظا لأنه هو المتكرر غالبا ، وأما الزكاة فلا تجب إلا على من له مال بشرطه ، والحج فلا يجب إلا مرة على التراخي .

قوله : ( وجلس في بيته ) فيه تأنيس لمن حرم الجهاد وأنه ليس محروما من الأجر ، بل له من الإيمان والتزام الفرائض ما يوصله إلى الجنة وإن قصر عن درجة المجاهدين .

قوله : ( فقالوا يا رسول الله ) الذي خاطبه بذلك هو معاذ بن جبل كما في رواية الترمذي ، أو أبو الدرداء كما وقع عند الطبراني ، وأصله في النسائي لكن قال فيه " فقلنا " .

قوله : ( وإن في الجنة مائة درجة ) قال الطيبي : هذا الجواب من أسلوب الحكيم ، أي بشرهم بدخولهم الجنة بما ذكر من الأعمال ولا تكتف بذلك بل بشرهم بالدرجات ، ولا تقتنع بذلك بل بشرهم بالفردوس  الذي هو أعلاها . قلت : لو لم يرد الحديث إلا كما وقع هنا لكان ما قال متجها ، لكن وردت في الحديث زيادة دلت على أن قوله " في الجنة مائة درجة " تعليل لترك البشارة المذكورة ، فعند الترمذي من رواية معاذ المذكورة قلت يا رسول الله ألا أخبر الناس قال ذر الناس يعلمون ، فإن في الجنة مائة درجة فظهر أن المراد لا تبشر الناس بما ذكرته من دخول الجنة لمن آمن وعمل الأعمال المفروضة عليه فيقفوا عند ذلك ولا يتجاوزوه إلى ما هو أفضل منه من الدرجات التي تحصل بالجهاد ، وهذه هي النكتة في قوله " أعدها الله للمجاهدين " وإذا تقرر هذا كان فيه تعقب أيضا على قول بعض شراح المصابيح : سوى النبي صلى الله عليه وسلم بين الجهاد في سبيل الله وبين عدمه وهو الجلوس في الأرض التي ولد المرء فيها ، ووجه التعقب أن التسوية ليست على عمومها وإنما هي في أصل دخول الجنة لا في تفاوت الدرجات كما قررته ، والله أعلم . وليس في هذا السياق ما ينفي أن يكون في الجنة درجات أخرى أعدت لغير المجاهدين دون درجة المجاهدين .

قوله : ( كما بين السماء والأرض ) في رواية محمد بن جحادة عند الترمذي " ما بين كل درجتين مائة عام " وللطبراني من هذا الوجه " خمسمائة عام ، فإن كانتا محفوظتين كان اختلاف العدد بالنسبة إلى اختلاف السير ، زاد الترمذي من حديث أبي سعيد " لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم " .

قوله : ( أوسط الجنة وأعلى الجنة ) المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل كقوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا فعلى هذا فعطف الأعلى عليه للتأكيد ، وقال الطيبي : المراد بأحدها العلو الحسي وبالآخر العلو المعنوي . وقال ابن حبان : المراد بالأوسط السعة ، وبالأعلى الفوقية .

قوله : ( وأراي ) بضم الهمزة ، وهو شك من يحيى بن صالح شيخ البخاري فيه ، وقد رواه غيره عن فليح فلم يشك منهم يونس بن محمد عند الإسماعيلي وغيره .

قوله : ( ومنه تفجر أنهار الجنة ) أي من الفردوس ، ووهم من زعم أن الضمير للعرش ، فقد وقع في حديث عبادة بن الصامت عند الترمذي " والفردوس أعلاها درجة ومنها - أي من الدرجة التي فيها الفردوس - تفجر أنهار الجنة الأربعة ومن فوقها يكون عرش الرحمن " وروى إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق شيبان عن قتادة عنه قال الفردوس أوسط الجنة وأفضلها وهو يؤيد التفسير الأول .

قوله : ( قال محمد بن فليح عن أبيه : وفوقه عرش الرحمن ) يعني أن محمدا روى هذا الحديث عن أبيه بإسناده هذا فلم يشك كما شك يحيى بن صالح بل جزم عنه بقوله " وفوقه عرش الرحمن " قال أبو علي الجياني : وقع في رواية أبي الحسن القابسي " حدثنا محمد بن فليح " وهو وهم لأن البخاري لم يدركه . قلت : وقد أخرج البخاري رواية محمد بن فليح لهذا الحديث في كتاب التوحيد عن إبراهيم بن المنذر عنه بتمامه ، ويأتي بقية شرحه هناك ورجال إسناده كلهم مدنيون . والفردوس هو البستان الذي يجمع كل شيء ، وقيل هو الذي فيه العنب ، وقيل هو بالرومية وقيل بالقبطية وقيل بالسريانية وبه جزم أبو إسحاق الزجاج ، وفي الحديث فضيلة ظاهرة للمجاهدين ، وفيه عظم الجنة وعظم الفردوس منها ، وفيه إشارة إلى أن درجة المجاهد قد ينالها غير المجاهد إما بالنية الخالصة أو بما يوازيه من الأعمال الصالحة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر الجميع بالدعاء  بالفردوس بعد أن أعلمهم أنه أعد للمجاهدين ، وقيل فيه جواز الدعاء بما لا يحصل للداعي لما ذكرته ، والأول أولى والله أعلم . ِ

القابضون على الجمر

3058 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّالَقَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ اللَّخْمِيُّ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَالَ أَيَّةُ آيَةٍ قُلْتُ قَوْلُهُ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
رواه الترمذي

تحفة الأحوذي
قوله : ( أخبرنا عتبة بن أبي حكيم ) الهمداني بسكون الميم أبو العباس الأردني بضم الهمزة والدال بينهما راء ساكنة وتشديد النون ، صدوق يخطئ كثيرا من السادسة ( حدثنا عمرو بن جارية ) بالجيم اللخمي شامي مقبول . وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته : يقال إنه عم عتبة بن أبي حكيم ، ذكره ابن حبان في الثقات له عندهم حديث واحد من رواية أبي أمية عن أبي ثعلبة : ( إذا رأيت شحا مطاعا ) ، الحديث ( عن أبي أمية الشعباني ) الدمشقي اسمه يحمد بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم ، وقيل بفتح أوله والميم ، وقيل اسمه عبد الله مقبول من الثانية .

قوله : ( فقلت له كيف تصنع في هذه الآية ) وفي رواية أبي داود : كيف تقول في هذه الآية ، يعني ما معنى هذه الآية وما تقول فيها ، فإن ظاهرها يدل على أنه لا حاجة إلى الأمر والنهي بل على كل مسلم إصلاح نفسه ( أما ) بالتخفيف حرف التنبيه ( لقد سألت ) بفتح التاء بصيغة الخطاب ( خبيرا ) أي عارفا وعالما بمعنى هذه الآية ( سألت ) بضم التاء بصيغة المتكلم ( بل ائتمروا ) أي امتثلوا ( بالمعروف ) أي ومنه الأمر به ( وتناهوا ) أي انتهوا واجتنبوا ( عن المنكر ) ومنه الامتناع عن نهيه أو الائتمار بمعنى التآمر ، كالاختصام بمعنى التخاصم ، ويؤيده التناهي . والمعنى ليأمر بعضكم بعضا بالمعروف ، وتنه طائفة منكم طائفة عن المنكر .

وقال الطيبي رحمه الله : قوله ( بل ائتمروا ) إضراب عن مقدر ، أي سألت عنها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقلت أما نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بناء على ظاهر الآية ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : " لا تتركوا بل ائتمروا بالمعروف " إلخ ( حتى إذا رأيت ) أي أيها المخاطب خطابا عاما . والمعنى إذا علمت الغالب على الناس " شحا مطاعا " أي بخلا مطاعا بأن أطاعته نفسك وطاوعه غيرك . قاله القاري .

وفي النهاية : هو أشد البخل ، وقيل البخل مع الحرص ، وقيل البخل في أفراد الأمور وآحادها ، والشح عام ، وقيل البخل بالمال والشح بالمال وبالمعروف ( وهوى متبعا ) بصيغة المفعول ، أي وهوى للنفس متبوعا . وحاصله أن كلا يتبع هواه ( ودنيا ) بالقصر وهي عبارة عن المال والجاه في الدار الدنية ( مؤثرة ) أي مختارة على أمور الدين ( وإعجاب كل ذي رأي برأيه ) أي من غير نظر إلى الكتاب والسنة ، والإعجاب بكسر الهمزة هو وجدان الشيء حسنا ورؤيته مستحسنا بحيث يصير صاحبه به معجبا وعن قبول كلام الغير مجنبا وإن كان قبيحا في نفس الأمر ( فعليك بخاصة نفسك ) منصوب وقيل مرفوع ، أي فالواجب أو فيجب عليك حفظها من المعاصي . لكن يؤيد الأول- وهو أن يكون للإغراء بمعنى الزم خاصة نفسك- قوله ( ودع العوام ) أي اترك أمر عامة الناس الخارجين عن طريق الخواص ( فإن من ورائكم أياما ) أي قدامكم من الأزمان الآتية ( الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ) يعني يلحقه المشقة بالصبر في تلك الأيام كمشقة الصابر على قبض الجمر بيده ( يعملون مثل عملكم ) ، وفي رواية أبي داود : ( يعملون مثل عمله ) أي في غير زمانه ( قال لا بل أجر خمسين رجلا منكم ) قال في اللمعات : يدل على فضل هؤلاء في الأجر على الصحابة من هذه الحيثية ، وقد جاء أمثال هذا أحاديث أخر ، وتوجيهه كما ذكروا أن الفضل الجزئي لا ينافي الفضل الكلي .

تكلم ابن عبد البر في هذه المسألة وقال : يمكن أن يجيء بعد الصحابة من هو في درجة بعض منهم أو أفضل ومختار العلماء خلافه . انتهى .

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : ليس هذا على إطلاقه بل هو مبني على قاعدتين :

إحداهما : أن الأعمال تشرف بثمراتها ، والثانية أن الغريب في آخر الإسلام كالغريب في أوله  وبالعكس ، لقوله عليه السلام : بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء من أمتي ، يريد المنفردين عن أهل زمانهم .

إذا تقرر ذلك فنقول : الإنفاق في أول الإسلام أفضل لقوله عليه السلام لخالد بن الوليد رضي الله عنه : لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه أي مد الحنطة .

فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها ، وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين لقلة عدد المتقدمين وقلة أنصارهم ، فكان جهادهم أفضل ، ولأن بذل النفس مع النصرة ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها ، ولذلك قال عليه السلام : يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة فكذلك المتأخر في حفظ دينه ، وأما المتقدمون فليسوا كذلك لكثرة المعين وعدم المنكر . فعلى هذا ينزل الحديث . انتهى ، كذا في مرقاة الصعود .

قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) وأخرجه أبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان .

4341 حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ اللَّخْمِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ كَيْفَ تَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ( عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ يَعْنِي بِنَفْسِكَ وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ وَزَادَنِي غَيْرُهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ قَالَ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ
رواه ابو داود

عون المعبود
( كيف تقول في هذه الآية عليكم أنفسكم ) : أي ما معنى هذه الآية وما تقول فيه فإن ظاهرها يدل على أنه لا حاجة إلى الأمر والنهي ، بل على كل مسلم إصلاح نفسه

( أما ) : بالتخفيف حرف التنبيه ( بل ائتمروا ) : أي امتثلوا ( بالمعروف ) : أي ومنه الأمر بالمعروف ( وتناهوا عن المنكر ) : أي انتهوا واجتنبوا عنه ، ومنه الامتناع عن نهيه أو الائتمار بمعنى التآمر كالاختصام بمعنى التخاصم ، ويؤيده التناهي ، والمعنى ليأمر بعضكم بعضا بالمعروف وتنه طائفة منكم طائفة عن المنكر .

وقال الطيبي : قوله ( بل ائتمروا ) إضراب عن مقدر أي سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت أما نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بناء على ظاهر الآية فقال عليه الصلاة والسلام لا تتركوا بل ائتمروا بالمعروف إلخ ( حتى إذا رأيت ) : الخطاب عام لكل مسلم ( شحا مطاعا ) : أي بخلا مطاعا بأن أطاعته نفسك وطاوعه غيرك قاله القاري .

وفي النهاية : هو أشد البخل ، وقيل البخل مع الحرص ، وقيل البخل في أفراد الأمور وآحادها ، والشح عام ، وقيل البخل بالمال والشح بالمال والمعروف

( وهوى متبعا ) : بصيغة المفعول أي وهوى للنفس متبوعا وطريق الهدى مدفوعا والحاصل أن كلا يتبع هواه ( ودنيا ) : بالتنوين كذا ضبط في بعض النسخ بالقلم . وقال القاري : في شرح المشكاة بالقصر ، وفي نسخة بالتنوين قال وهي عبارة عن المال والجاه في الدار الدنية ( مؤثرة ) : أي مختارة على أمور الدين ( وإعجاب كل ذي رأي برأيه ) : أي من غير نظر إلى صالكتاب والسنة وإجماع الأمة وترك الاقتداء بالصحابة والتابعين .

والإعجاب بكسر الهمزة هو وجدان الشيء حسنا ورؤيته مستحسنا بحيث يصير صاحبه به معجبا وعن قبول كلام الغير مجنبا وإن كان قبيحا في نفس الأمر

( فعليك يعني بنفسك ) : كأن في الحديث لفظ فعليك فقط فزاد بعض الرواة يعني بنفسك إيضاحا لقوله فعليك أي يريد صلى الله عليه وسلم بقوله فعليك فعليك بنفسك ، وفي رواية الترمذي فعليك نفسك ( ودع عنك العوام ) : أي واترك عامة الناس الخارجين عن طريق الخواص

( فإن من ورائكم ) : أي خلفكم ( أيام الصبر ) : أي أياما لا طريق لكم فيها إلا الصبر أو أياما يحمد فيها الصبر وهو الحبس على خلاف النفس ( الصبر فيه ) : كذا في عامة النسخ التي في أيدينا وفي نسخة فيهن وهو الظاهر وأما تذكير الضمير كما في عامة النسخ فلا يستقيم إلا أن يؤول أيام الصبر بوقت الصبر . واعلم أنه وقع في بعض النسخ فإن من ورائكم أيام الصبر فيه مثل قبض على الجمر قال في فتح الودود : قوله " فإن من ورائكم أيام " هكذا هو في بعض النسخ وفي بعضها أياما بالنصب وهو الظاهر والأول محمول على مسامحة أهل الحديث فإنهم كثيرا ما يكتبون المنصوب بصورة المرفوع أو على لغة من يرفع اسم إن أو على حذف ضمير الشأن والله تعالى أعلم انتهى

( مثل قبض على الجمر ) : يعني يلحقه المشقة بالصبر كمشقة الصابر على قبض الجمر بيده ( يعملون مثل عمله ) : أي في غير زمانه ( وزادني غيره ) : وفي رواية الترمذي قال عبد الله بن المبارك وزادني غير عتبة ( قال يا رسول الله أجر خمسين ) : بتقدير الاستفهام ( منهم ) : قال القاري فيه تأويلان أحدهما أن يكون أجر كل واحد منهم على تقدير أنه غير مبتلى ولم يضاعف أجره ، وثانيهما أن يراد أجر خمسين منهم أجمعين لم يبتلوا ببلائه انتهى ( قال أجر خمسين منكم ) : قال في فتح الودود : هذا في الأعمال التي يشق فعلها في تلك الأيام لا مطلقا وقد جاء لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ولأن الصحابي أفضل من غيره مطلقا انتهى .

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : ليس هذا على إطلاقه بل هو مبني على قاعدتين  إحداهما أن الأعمال تشرف بثمراتها ، والثانية أن الغريب في آخر الإسلام كالغريب في أوله وبالعكس لقوله : بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء من أمتي يريد المنفردين عن أهل زمانهم إذا تقرر ذلك فنقول الإنفاق في أول الإسلام أفضل لقوله عليه السلام لخالد بن الوليد رضي الله عنه لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه أي مد الحنطة والسبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها ، وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين لقلة عدد المتقدمين وقلة أنصارهم ، فكان جهادهم أفضل ; ولأن بذل النفس مع النصرة ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها ، ولذلك قال عليه السلام أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر جعله أفضل الجهاد ليأسه من حياته وأما النهي عن المنكر بين ظهور المسلمين وإظهار شعائر الإسلام فإن ذلك شاق على المتأخرين لعدم المعين وكثرة المنكر فيهم كالمنكر على السلطان الجائر ، ولذلك قال عليه السلام : يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة فكذلك المتأخر في حفظ دينه وأما المتقدمون فليسوا كذلك لكثرة المعين وعدم المنكر فعلى هذا ينزل الحديث انتهى . كذا في مرقاة الصعود .

قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه ، وقال الترمذي : حسن غريب .

وأبو ثعلبة اسمه جرثوم وأبو أمية يحمد . هذا آخر كلامه .

وفي اسم أبي ثعلبة اختلاف كثير قيل جرثومة ، وقيل جرهم ، وقيل عمرو ، وقيل لاش ، وقيل لاشر ، وقيل غير ذلك ، وفي اسم أبيه اختلاف قيل ناشر وناشب وجرهم ، وقيل غير ذلك وفي حديث الترمذي قال عبد الله بن المبارك وزادني غير عتبة وذكر ما تقدم .

وعتبة هذا هو العباس بن عتبة بن أبي حكيم الهمداني الشامي وثقه غير واحد وتكلم فيه غير واحد . ويحمد بضم الياء آخر الحروف وسكون الحاء المهملة وبعدها ميم مكسورة ودال مهملة هكذا قيده الأمير أبو نصر وغيره ، وقيده بعضهم بفتح الياء ، والخشني منسوب إلى خشن بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين وياء آخر الحروف ساكنة ونون وهو خشين بن نمر بن وبرة بطن من قضاعة وعامتهم بالشام وفي فزارة أيضا خشين .